محمد الجرادي محمد الجرادي
عن القرية والزمن الجميل
أفقت اليوم صباحا وأنا أتمنى تنفس عبق الأرض في صبيحة ليلة كانت حافلة بالبروق والمطر وتذكرت تلك الأيام التي رافقت فيها والدتي في الأراضي الزراعية بعد ما جاد المطر بلدتنا بِوابِل هَتُون لنجمع من "العلف" ما نريده للبقرة "هليه".. فكم جمعت معها من محاصيل (الذرة، القرص، والدجرة) ومن حولنا حفيف أغصان الشجر وزقزات طيور سابحة في السماء والفضاء ملبد بغيوم يوم خريفي آسر وخلّاب، إحساس عظيم ينتابني وأنا أجول بخاطري بين تلك الفجاج مستعيدا ذكرياتها العظيمة،.. شوق جارف لصباحات قريتنا يتلبّسني فأتلهّف لمناظرها الجبلية، ومازال قلبي ينبض بها، تهب رياحها بروحي كل صباح وأصيل. أفتقد تلك الصباحات الندية التي تفوح في أجوائها روائح الأدخنة المنطلقة مع بداية انتهاء العتمة وإشراق خيوط الصبح الأولى، تبعثها في الأرجاء مطابخ البيوت والديام، أتشوق لمواسم الحصاد الزراعي وأيام "الجهيش والسبول" التي تصنع من خيرت ما أنتجته الأرض من محصول الذرة إني وربي أي إحساس يسربه الشوق إلى وجداني، وما هذا الذي تطفح به روحي حنينا وتذكارا!.. لا ضير فقد خطفتني الذاكرة إلى أقصوصة القرية وحكايا الجدات والجيران ..إلى كل تلك التفاصيل الصغيرة التي عشناها في منازلنا البسيطة والمتواضعة في قرانا المعلقة على الجبال، هناك حيث كل شيء بهيبة المكان سيبقيك في حالة من الشوق والحنين الذي يعيدك إلى النقطة القديمة ذاتها التي كنت فيها ابن المكان وأنت غضّ العُود طريّه. في قروب على الواتس أب لأبناء القرية دائما ما أقرأ أن القرية التي عشانا فيها هجرها أهلها ولم يبقَ منهم إلا أقل من عشر أسر، أما البقية فنزحت تحت وطأة ظروف الحياة وقسوتها حيث كان عليهم أن يغادروها إلى مناطق بعيدة كشبوة ومأرب وصنعاء وغيرها،.. يقولون إن كل شيء لم يعد على حاله، شكل البيوت والأزقة والأماكن التي لعبنا وعشنا فيها لم يعد كما كان، هوية المكان تتغير، الأمطار تدمر البيوت ولا يوجد من يعيد البناء أو الإصلاح..
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص