غليان البركان

نحن اليمنيون أحرار أباة، لا نقبل الضيم ولا نُذل لقوى الظلم. مؤمنون بالله ولا نعبد أو نخاف سواه، نسير على هديه سبحانه ونثق بقدرته وتأييده ونصره. لا نهاب الباطل ولا نخاف البغاة أو نخشى الطغاة. لا نرائي ولا نماري، لا نغالي ولا ندعي، ولسنا نزايد أو للصيت نقصد والمكاسب السياسية ننشد. بل نؤدي ما تمليه علينا الفطرة السوية والعقيدة الايمانية من واجب ديني واخلاقي وانساني، في دفع الفساد، ومنع الظلم والاستبداد، وردع الطغيان والبغي والإجرام والعدوان، أكان علينا او على اخوتنا في الدم والدين والانسانية في فلسطين المحتلة. 

تلك خلاصة - تقريبية - لمضامين قوية كالعادة، تضمنها خطاب فارق، ألقاه الثلاثاء زعيم "انصار الله" قائد المسيرة، السيد عبد الملك الحوثي. اتسم بصدق دافق لمشاعر الحمية والغيرة، واستشعار بالغ للمهمة والمسؤولية، لا ينكرهما إلا منافق. مرد هذا الدفق برز جليا، أنه يقين الواثق بالله ومقدرته وتأييده والمتوكل على الله والمؤمن بنصره. والحريص على توحيد الموقف والجهد لتدارك الاختلال وإنهاء حال الانخذال في فلسطين أمام حرب ابادة جماعية متوحشة وعدوان صهيوني غاشم وحصار ظالم على غزة.

امتاز الخطاب بسرد يغتص بعَبرة الأسى ونقد يحرص على بيان عِبرة ما جرى، عبر إلمامه الفائق بالخلفيات التاريخية والسياسية للأحداث، واحاطته بمجرياتها محليا واقليميا ودوليا، وتقييمه الصادق للمواقف يمنيا وعربيا واسلاميا وعالميا، وإنصافه الايجابية منها وانتقاده السلبية وكشف تواطئها المنافق وسير التأمر المارق على الفطرة السوية والأعراف الانسانية والقوانين والتشريعات والمواثيق الدولية، على نحو أظهر جليا زيف التشدق الغربي بها وازدواجية معاييره، وأكد نفاق انظمته واستكبارها وعدوانيتها وقيادتها الشر في العالم.

انتقادات الخطاب الصريحة في الطرح دون مواربة؛ بدت غايتها تدارك سقطات مريعة لأنظمة سبعة وخمسين بلدا عربيا وإسلاميا تمثل امة المليار ونصف المليار، أضحت كغثاء السيل، خاضعة للباطل، مستكينة للذل، تابعة لقوى الهيمنة والاستكبار، واخرى متواطئة وخائنة للامانة ودين الله وقيم الامة وشعوبها وحقوقها، حد التأمر على قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، بالمشاركة في محاصرته وحماية العدو وتمكينه من الاجرام وتصفية قضية فلسطين وحقوقها، مقابل صفقة مخزية تؤذن لالتهام باقي بلدان المنطقة!!.

في المقابل، تضمن الخطاب، على غير العادة، ربما بفعل حرج المرحلة وغاية توحيد صفوف الامة؛ الرد ولأول مرة، على المرجفين والمثبطين لشعوب الامتين العربية والاسلامية، والمشككين والهازئين بموقف اليمن الحر، وتحركه بأقصى ما يمكنه في ظروفه الراهنة، لنصرة الشعب الفلسطيني وإسناد المقاومة الفلسطينية: شعبيا باستمرار تظاهرات التضامن والتبرعات، وسياسيا بالموقف، وإعلاميا بتعرية جرائم العدو، واقتصاديا بحملة مقاطعة سلع الداعمين للعدو الصهيوني، وعسكريا بقصف كيان العدو الصهيوني بالصواريخ والطائرات المسيرة.

اتسم الرد بقوة البينة في إقامة الحجة، على المتخاذلين والمتواطئين، وبيان حجم الخطر وتجاوزه تصفية وجود فلسطين وحقوق شعبها والمقدسات الاسلامية، إلى احتلال بلدان المنطقة وإذلال شعوبها، وصولا الى بلاد الحرمين، وكيف أن تخاذل السعودية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، حيال العدوان الاسرائيلي على فلسطين، يترافق مع تصاعد حرب الالهاء والافساد الناعمة عليها حد اطلاق موسم الرياض للترفيه واستقدام مغنية يهودية تتهكم على الله وتسيء له سبحانه وتعالى وفرق فنية امريكية تضم المنحرفين وتروج للشذوذ الجنسي!!.

جاء الرد ايضا محرجا ومفحما، للمنتقدين والمشككين في الموقف المشرف لليمن الحر غير الخاضع لسيطرة تحالف العدوان وأدواته المحلية الموالية له؛ ببيان اقتران هذا الموقف بالايمان، وأن دوافعه "ليست المزايدة أو المفاخرة ولا المناكفة واستعراض العضلات والقوة"، بل استشعار صادق للمسؤولية من منطلق إيماني بالواجب الديني والاخلاقي والإنساني، وإدراك خطر العدو الصهيوني الاسرائيلي؛ وتعمد وحشية اجرامه بحق الفلسطيين ترهيب الامة واهانتها وإذلالها، بقدر تجسيده عداوته لها وحقده عليها، وما يبيته من شر لها جميعها.

أغلق الخطاب باب المهاترات والمناكفات، على المشككين في دوافع هذا الموقف وجدواه، بمطالبة هؤلاء بأن "يفعلوا مثل أو أكثر مما يقدمه اليمن عسكريا في ظروفه الراهنة واعلان الاستعداد لشكرهم والثناء عليهم سواء السعودي او الاماراتي أو عملاؤهم"، ومطالبة الدول التي تفصل اليمن جغرافيا عن فلسطين بأن "تختبر مصداقية" هذا الموقف وتوفر منفذا "مجرد طريق فقط لعبور مئات الالاف من المجاهدين اليمنيين لفلسطين"، وبيان تأثير الموقف اليمني العسكري، وخوف العدو الصهيوني من رفع علمه على سفنه لدى عبوره باب المندب والبحر الاحمر.

بدت الشفافية لافتة، تمثلت في صراحة طرح كاشفة لخفايا العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني وتداعياته. من ذلك كشف تلقي اليمن رسائل ترغيب وتهديد امريكية عبر وسطاء تلوح بـ "إعاقة اتفاق السلام الوشيك مع تحالف العدوان، واستئناف الحرب في اليمن، وايقاف مساعدات الاغاثة للمتضررين من العدوان، والقصف الامريكي المباشر". والرد على التهديدات بأن "اليمنيين شعب حر ابي وشجاع ومؤمن لا يخاف إلا الله ولن يخضع لسواه"، وتوجيه رسائل تحذير، اعتاد المراقبون أن تتبعها تحركات عسكرية قوية وموجعة.

أبرز هذه الرسائل اعلان اغلاق مضيق باب المندب امام سفن كيان العدو الصهيوني وتأكيد "الرصد الدائم للنيل منها والتنكيل بها" وكذا اعلان "استمرار استهداف العدو الصهيوني وقصف كل ما يمكن ان تناله الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة من اهداف صهيونية في داخل فلسطين وخارج فلسطين دون توانٍ أو تردد"، وما يعنيه هذا من توسيع دائرة هذه المعركة المقدسة والمصيرية، لتشمل مصالح كيان العدو الصهيوني الاسرائيلي وداعميه في المنطقة، بما فيهم "الغرب الكافر" بقيادة أميركا، لن تنجو من حمم البركان اليمني.

أبان الخطاب حجم طامة خسران وهوان، الابتعاد عن كتاب الله وهديه ورسوله والقعود والتخلف عن فريضة سنها الله لاستقامة الحياة ودفع قوى الخير للشر وقواه، ممثلة بفريضة الجهاد في سبيل الله وانفاذ شريعته، وتنفيذ أوامره للمؤمنين من الخلق، بدفع الفساد، ومنع الظلم، وردع العدوان، والصدع بالحق ونصرته، وجمع الناس على كلمة سواء، وإقامة العدل وإشاعة السلام والآمان، وإعمار الارض. ضدا لما يقود إليه سعي اهل الباطل والشر والتجبر في تعاونهم على الاثم والعدوان، في كل زمان ومكان، والماثل للعيان في فلسطين الان.

إجمالا، تجلت قوة حجج الخطاب، في إحجام أو عجز كثير من المنتقدين والمشككين والهازئين مِن موقف اليمن الحر ضد العدو الصهيوني ومِن خلفه اميركا وبريطانيا؛ عن الرد، فاتجه الاكثر ارتهانا لتحالف الشر والعدوان من سياسيي فصائل "مجلس قيادة" ادوات التحالف، إلى التصريح بعمالته وخيانته عبر مواقف تهاجم المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة وتنحاز للعدو الصهيوني، لدرجة تصريح حملة لهم بأن "ايران أخطر على العرب من اسرائيل"، و"يجب قتال الحوثي الان حتى لو حرر فلسطين"!!. كأنها تقول: قبل ان تتحرر فلسطين!!.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص