صالح حسن ابو عسر صالح حسن ابو عسر
قوى الجذب الصينية ، أكثر المؤشرات صعوداً في بورصة COVID-19


قبل ديسمبر 2019 م ، كانت النقاشات والمقالات وحتى الدراسات المتعلقة بالصين وتأثيرها، تتمحور حول السيطرة الاقتصادية ، ومشروع طريق الحرير الجديد ، وكان الرأي والقرار الصيني يكسب ثقله بالاعتماد على وزن الاقتصاد بدرجة رئيسية .
لكن الأشهر الثلاثة المنصرمة من عمر COVID -19 كشفت عن عوامل تأثير إضافية ،يمكن ملاحظتها وتسجيلها لصالح الطموح الصيني ورغبته في لعب دور أكثر فاعلية على كوكبنا الأزرق .
وحتى مع كون الصين كانت أكثر الأماكن تأثراً -اقتصادياً وسياسياً - مع بداية انتشار الفيرس على أراضيها ، إلا أن الانتشار العالمي ، الذي ما يزال يسلك سلوكاً عنقودياً ، قد منحها أفضلية كبيرة عند مقارنة اجراءاتها وقدرتها على احتواء الوباء ، مع إجراءات وآليات متبعة من قبل قوى موازية أو منافسة ، مثل أوروبا والولايات المتحدة .
هذه الأفضلية في المقارنة،و المبنية على أرقام رسمية مدعومة بدراسات ميدانية قد منحت الصين ثقة مكنتها من قيادة معركة العالم ، ضد الغازي الجديد .
وفي طريقها لاستعادة وضع ما قبل ديسمبر 2019 ، تظهر بوضوح عوامل قوة صينية ، لم تكن واضحة أبداً قبل COVIDE-19 ، فبالإضافة لركني القوة الصينية الصلبة ، المتمثلين في : 
الاقتصاد القوي ، والاستجابة المجتمعية لأي قرار حكومي ، سواءً كانت هذه الاستجابة اختيارية أم إلزامية ، ظهرت عوامل قوة ناعمة لم يكن أكثر الصينيين تفاؤلاً يتنبأ بها .
فحملة الدفاع الإعلامية التي تبنتها كثير من المؤسسات والمنصات وحتى بعض الحكومات والأفراد ،خارج الحدود الصينية ، قد تمكنت من الوقوف في وجه الحملات التي استغلت ظهور الوباء في الصين ، و وظفته سياسياً واقتصادياً بما يسيء للصين ومشروعها .
والأمر المستجد في هذا العامل ليس وجود حملة في مواجهة حملة ، بل في كون كثير من الحملات التي تعاطفت ودافعت عن الصين ، لم تكن على علاقة مباشرة مع الصين ، ولم تتلق دعماً مباشراً منها ، وهذا المؤشر يمكنه أن يقودنا إلى استنتاج مفاده أن ثمة قوة رديفة ذات جاذبية عالية ، تعمل بالتوازي مع قوة الصين الصلبة ، وأن أرض التنين ليست مجرد مصنع كبير للسلع التجارية فقط ، بل مركزاً ثقافياً وحضارياً ، ومشروعاً سياسياّ له الكثير من الأنصار والمعجبين أيضاً .
كما ظهر عاملاً آخر ، هو عامل ( قابلية تقديم المساعدة على المستوى الدولي ) ، وهذا العامل رغم قِدمه إلا أن الصين تبدو في الشهر  الأخير كدولة لا شريك لها ، داخل قائمة مقدمي المساعدات لمكافحة الفيرس المستجد .
ورغم الطابع الإنساني الذي يكسو هذا العامل ، إلا أنه تمكن من تحقيق مكاسب كبيرة للصين ، وخاصة في مضمار سباقها مع الولايات المتحدة ، وربما الجميع قد لاحظ بشكل أو بآخر ،الامتنان الشعبي والحكومي من قبل مجتمعات ودول ،كانوا أقرب إلى أمريكا بكثير ،مقارنة بقربهم من الصين . 
هذا الموقف لا يستطيع أحد البناء عليه ، على أساس أنه سيغير خارطة التحالفات ، لكنه بالتأكيد سيجعل الصين ونظامها ومشروعها أكثر لطفاً وقابلية لدى المتلقين لهذه الإعانات ، وهذا أمراً آخر سيجعل الصين تواجه مقاومة أقل لرغباتها في تمرير أي مشروع .
وبالإضافة للعاملين السابقين ،أظهرت الصين نفسها كلاعب محترف في استخدامها للتكنولوجيا الحديثة ، وتوظيفها في التعامل مع أي طارئ .
ففي حين كانت الولايات المتحدة واليابان، بلا منافس تقني على مدى عقود ، أظهرت النماذج التكنولوجية الصينية مرونة أكثر ، وقابلية للقيام بدور خدمي وبحثي بفاعلية مرتفعة ، فتطبيقات المحمول ، وطائرات الدرونز ، وأجهزة الكشف الحديثة تظهر في الصين حالياً ،بنسب تتجاوز أمريكا واليابان معاً .
والعامل التقني هذا ، وإن كان لم يدرج بعد ضمن أركان القوة الناعمة العالمية ، إلا أنه سيتسيد هذه الأركان خلال العقود القادمة ، فالقيم السياسية والثقافة العليا والشعبية لأي أمة ، ستصبح رهن التكنولوجيا نقلاً وتعديلا.
وبالبحث في أسباب ظهور هذه العوامل ، يمكننا الاستنتاج بسهولة أن سياسة ( الإصلاح والانفتاح ) ، التي تنهجها الصين منذ أكثر من ثلاثة عقود ، بالإضافة لنظرية ( الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ) ،قد بدءت في جني ثمارها .
لم تكن حملة الدفاع الإعلامي عن الصين لتظهر بهذه القوة ، لو لم يكن مئات الالآف بل الملايين من الطلاب الذين درسوا في الجامعات الصينية ، والتجار الذين تعاملوا مع المصانع والشركات  الصينية ، والرياضيين والباحثين وغيرهم ، قد تأثروا فعلاً بالصين وأعجبوا بها ؛ ثقافة وتاريخاً وحتى نظاماً إداريا.
إذاً فهذه العوامل لم تنبت فجأة ، بل أنشأتها سياسة وجهود عقود من الزمن .
ومن الأشياء المؤكدة أن ظهور هذه العوامل بتأثيراتها الإيجابية على مشاريع الصين الطموحة ؛سيدفع بالصين إلى بذل المزيد من الجهود في سبيل تعزيز السياسات الداعمة لمصادر قوى الجذب لديها .
وخلال الأشهر القادمة ، وحينما تنتهي موجة COVID-19 المزعجة ، ستقف كل الحكومات والأنظمة لتحصي مدى تأثرها وتأثيرها بالجائحة ، حينها ستكتشف الصين أنها أكثر المؤثرين صعوداً ، حين ظن الجميع في البداية أنها الخاسر الوحيد . 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص